الاقتصاد والأعمال

الاقتصاد المشترك – كيف يعمل؟ وما هي عوامل ظهوره؟

في العقد الأخير، شهد العالم تحولًا جذريًا في كيفية استهلاك الأفراد واستخدام الموارد، بفضل ظهور مفهوم “الاقتصاد المشترك”، حيث يعتمد هذا النموذج الاقتصادي على تبادل الأصول والموارد والخدمات بين الأفراد عبر منصات رقمية، فهو نتاج لتطور التكنولوجيا وظهور التطبيقات والمنصات التي تربط بين الأشخاص الراغبين في تبادل الخدمات أو الموارد، فبدلاً من امتلاك الموارد أو الأصول بشكل فردي، يشارك الأفراد والشركات الآن المشاركة في استخدامها، لتحقيق وفورات مالية.

 

ما هو الاقتصاد المشترك؟

الاقتصاد المشترك (Sharing Economy) هو نظام اقتصادي يقوم على مشاركة الأصول أو الموارد أو الخدمات بين الأفراد، عادةً من خلال منصات تكنولوجية تسمح للأشخاص بتبادل السلع والخدمات بسهولة، وتتنوع الأصول والخدمات في الاقتصاد المشترك بشكل كبير، بدءًا من المشاركة في السيارات والمنازل وصولًا إلى تقديم المهارات والخدمات، والهدف الأساسي من هذا النموذج هو الاستفادة القصوى من الأصول المتاحة بدلًا من الاعتماد على امتلاكها بشكل فردي.

 

هذا النموذج يقوم على فكرة أن الأفراد يمكنهم توفير التكاليف أو تحقيق دخل إضافي عن طريق استخدام الموارد بشكل مشترك، فبدلاً من امتلاك سيارة خاصة بك واستخدامها لفترة قصيرة من اليوم، يمكنك استخدام خدمة مشاركة السيارات، أو بدلاً من ترك غرفة فارغة في منزلك غير مستخدمة، يمكنك تأجيرها عبر منصات مثل Airbnb.

 

اقرأ أيضاً عن: الاقتصاد السلوكي

 

كيف يعمل الاقتصاد المشترك؟

يعتمد الاقتصاد التشاركي على منصات رقمية تسهل التواصل بين مقدمي الخدمات أو مالكي الأصول والمستهلكين الذين يرغبون في استئجار أو استخدام تلك الأصول لفترة معينة، فهذه المنصات توفر بيئة آمنة وموثوقة تتيح للمستهلكين والمقدمين التفاعل مع بعضهم البعض.

 

مثال على عمل الاقتصاد التشاركي

إذا كنت تملك سيارة ولكنك لا تستخدمها بشكل دائم، يمكنك التسجيل في منصة مثل Uber أو Lyft لتقديم خدمات النقل، وبالتالي كسب دخل إضافي، وبالمقابل، إذا كنت بحاجة إلى نقل أو مشوار معين، يمكنك استخدام نفس المنصة للوصول إلى شخص آخر يمتلك سيارة، بدلاً من شراء سيارة خاصة بك أو استخدام وسائل النقل التقليدية.

 

العوامل التي ساعدت في ظهور الاقتصاد المشترك

الاقتصاد المشترك ليس ظاهرة جديدة تمامًا، حيث كانت المجتمعات دائمًا تتشارك الموارد بشكل غير رسمي، ومع ذلك، فإن التطورات التكنولوجية والبنية التحتية الرقمية الحديثة ساعدت في تنظيم هذا النوع من الاقتصاد بطريقة أكثر كفاءة، ومن بين العوامل التي ساعدت على ظهور وانتشار الاقتصاد المشترك:

 

1- التكنولوجيا والمنصات الرقمية: الإنترنت والتطبيقات الذكية كانت العامل الرئيسي في انتشار الاقتصاد المشترك، فمنصات مثل Uber وAirbnb تعتمد على التكنولوجيا لتسهيل التواصل بين الأفراد وتقديم خدمات ذات كفاءة عالية، وهذه المنصات توفر بيئة آمنة مع أنظمة تقييم وتوثيق للمستخدمين، الأمر الذي يعزز الثقة بين الأطراف.

 

2- التحولات في قيم الاستهلاك: مع تزايد الوعي البيئي والرغبة في تحقيق استدامة أكبر، أصبحت فكرة مشاركة الموارد بدلًا من امتلاكها جذابة للكثيرين، وهذا التحول في نمط الاستهلاك يعزز من قبول فكرة الاقتصاد التشاركي كبديل للاستهلاك التقليدي.

 

3- الاقتصاد التشاركي كوسيلة لتوفير التكاليف: في ظل الأزمات الاقتصادية وتزايد تكاليف الحياة، يلجأ الكثيرون إلى الاقتصاد المشترك لتوفير المال، فبدلًا من شراء أصول باهظة الثمن قد لا تُستخدم بشكل كافٍ، يمكن للأفراد استئجارها أو مشاركتها لفترات قصيرة.

 

4- البحث عن مصادر دخل إضافية: يعتمد الكثير من الأفراد على الاقتصاد التشاركي كمصدر دخل إضافي، وسواء كان الأمر يتعلق بتأجير غرف في المنزل أو تقديم خدمات النقل أو حتى تقديم خدمات مثل التعليم عبر الإنترنت، فإن هذه المنصات توفر فرص عمل جديدة.

 

اقرأ أيضاً عن: التحليل المالي وإدارة المخاطر

 

أمثلة على منصات الاقتصاد المشترك

Airbnb

منصة توفر إمكانية تأجير العقارات السكنية لفترات قصيرة، حيث يمكن للأفراد تأجير منازلهم أو غرف في منازلهم للمسافرين بدلًا من الفنادق التقليدية، فقد Airbnb أحدثت تحولًا كبيرًا في قطاع السياحة والضيافة.

 

Uber وLyft

منصات لتقديم خدمات النقل التشاركي. يمكن للسائقين تسجيل سياراتهم واستخدامها لنقل الأفراد مقابل أجر، فهذه المنصات غيرت بشكل جذري كيفية استخدام الأفراد لوسائل النقل العامة والخاصة.

 

TaskRabbit

منصة تتيح للأشخاص تقديم خدمات صغيرة مثل إصلاحات المنازل، توصيل الأغراض، وتنفيذ المهام البسيطة، وتسمح المنصة بتوفير خدمات مرنة وسريعة لمن يحتاجونها دون الحاجة للتعاقد مع شركات كبيرة.

 

Turo

منصة مشاركة السيارات التي تتيح للأفراد تأجير سياراتهم الشخصية لفترات قصيرة، وتتيح للمستهلكين الوصول إلى سيارات متنوعة دون الحاجة لشراء سيارة خاصة بهم.

 

تعرف على: التسويق الرقمي للشركات

 

تأثير الاقتصاد المشترك على الاقتصادات التقليدية

الاقتصاد المشترك قدم نموذجًا بديلاً للاقتصاد التقليدي القائم على الملكية والاستهلاك الفردي، وأثر هذا النموذج على العديد من القطاعات مثل النقل، السياحة، التجارة، وحتى التعليم، ومن بين التأثيرات الرئيسية للاقتصاد المشترك:

 

1- تحدي الأعمال التقليدية: منصات الاقتصاد المشترك تشكل تحديًا كبيرًا للشركات التقليدية، فعلى سبيل المثال، خدمات النقل التشاركي مثل Uber وLyft تسببت في تراجع صناعة سيارات الأجرة التقليدية، ومنصات تأجير العقارات مثل Airbnb أثرت على أداء الفنادق التقليدية.

 

2- تحفيز الابتكار: الاقتصاد المشترك دفع الشركات التقليدية لتبني الابتكار وتطوير خدماتها لمواكبة التغيرات، فمثلاً بدأت بعض الفنادق تتبنى نماذج عمل مرنة وتقدم خدمات جديدة للتنافس مع منصات الإيجار التشاركي.

 

3- التأثير على سلوك المستهلكين: المستهلكون أصبحوا أكثر تقبلاً لفكرة مشاركة الأصول بدلًا من امتلاكها، مما يساهم في تقليل الهدر وزيادة الكفاءة في استخدام الموارد.

 

4- خلق فرص عمل جديدة: الاقتصاد المشترك أتاح للأفراد فرصًا جديدة لتحقيق دخل إضافي أو حتى العمل بدوام كامل في بعض الحالات، ومع ذلك، فإن هذه الوظائف غالبًا ما تفتقر إلى الاستقرار الوظيفي والامتيازات التي تقدمها الوظائف التقليدية.

 

اقرأ أيضاً عن: الذكاء الاصطناعي في إدارة الأعمال

 

التحديات التي تواجه الاقتصاد المشترك

رغم الفوائد الكبيرة التي يقدمها الاقتصاد المشترك، إلا أنه يواجه مجموعة من التحديات التي قد تؤثر على استمراريته:

 

أولاً: التنظيم القانوني

يواجه الاقتصاد المشترك تحديات قانونية وتنظيمية في العديد من الدول، فبعض الحكومات تسعى إلى فرض قوانين صارمة على منصات مثل Airbnb وUber لحماية الشركات التقليدية وضمان حقوق العمال والمستهلكين.

 

ثانياً: الاستقرار الوظيفي

رغم أن الاقتصاد المشترك يوفر فرصًا كثيرة للعمل، إلا أن الكثير من هذه الفرص تعتمد على العمل المستقل وغير المستقر، والعمال في هذا القطاع غالبًا ما يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية مثل التأمين الصحي أو التقاعد.

 

ثالثاً: الثقة والسلامة

بناء الثقة بين المستخدمين على منصات الاقتصاد المشترك يمثل تحديًا كبيرًا، وعلى الرغم من وجود أنظمة تقييم ومراجعات، إلا أن بعض المستهلكين لا يزالون يشعرون بعدم الأمان عند التعامل مع غرباء.

 

رابعاً: التأثير على المجتمعات المحلية

بعض المجتمعات تواجه آثارًا سلبية بسبب الاقتصاد المشترك، فعلى سبيل المثال، تأجير المنازل عبر Airbnb في بعض المدن أدى إلى رفع أسعار الإيجارات للمقيمين الدائمين وتقليص فرص الحصول على سكن ميسر.

 

اطلع أيضاً على: التضخم وأسعار الفائدة

 

المستقبل المحتمل للاقتصاد المشترك

مع تطور التكنولوجيا وزيادة انتشار الإنترنت، من المتوقع أن يستمر الاقتصاد المشترك في النمو والتطور، وقد نشهد دخول قطاعات جديدة إلى هذا الاقتصاد، مثل الرعاية الصحية والتعليم، ومن المتوقع أيضًا أن يتم تطوير الأطر التنظيمية التي تنظم عمل هذه المنصات لضمان حقوق العمال وحماية المستهلكين.

 

والتكامل بين التكنولوجيا والاقتصاد المشترك سيزيد من كفاءة استخدام الموارد ويعزز من قدرة الأفراد على تحقيق دخل إضافي بطرق مبتكرة، ومع ذلك، فإن الشركات والحكومات بحاجة إلى التعاون لضمان أن هذا النموذج يعمل بشكل عادل ومستدام للجميع.

 

تعرف على: تنمية المهارات القيادية في الأعمال

 

الاقتصاد المشترك يمثل تحولًا كبيرًا في الطريقة التي نستهلك بها الموارد ونتفاعل مع الأسواق، فمن خلال تقديم حلول مرنة ومستدامة، يساعد الاقتصاد المشترك على تحسين الكفاءة وتقليل الهدر، لكنه يواجه أيضًا تحديات كبيرة تتعلق بالتنظيم والحماية الاجتماعية، ومع استمرار تطور هذا القطاع، سيكون من المهم تطوير استراتيجيات تضمن تحقيق الفوائد الاجتماعية والاقتصادية للجميع.

المصادر والمراجع

investopediabusinessbecause

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى