الدين

الفرق بين الصدقة والزكاة: متى تكون واجبة ومتى تكون تطوعًا؟

في عالم مليء بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، يبرز الإسلام كنظام متكامل يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتكافل بين أفراد المجتمع، ومن أبرز مظاهر هذا النظام مفهوم الصدقة والزكاة، لكن، هل تساءلت يومًا عن الفرق بين الصدقة والزكاة؟ ولماذا من الضروري أن نفهم هذا الفرق؟ إن فهم الفروق الشرعية والعملية بينهما ليس مجرد مسألة فقهية، بل هو أمر ينعكس على حياتنا اليومية، سواء من حيث أداء العبادات أو تحقيق التوازن الاجتماعي.

في هذا المقال، سنأخذك في رحلة شاملة لاستكشاف هذين المفهومين، مع التركيز على الفرق بين الزكاة والصدقة الواجبة، شروط الزكاة والصدقة، وكيفية توزيعهما، لنضمن أن نؤدي هذه العبادات بوعي وإدراك.

 

ما هي الزكاة؟ تعريفها، حكمها، ومتى تجب؟

ما هي الزكاة؟ تعريفها، حكمها، ومتى تجب؟

لنبدأ بتعريف الزكاة في الإسلام، الزكاة هي عبادة مالية وبدنية فرضها الله على المسلمين القادرين، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، لغويًا، تعني كلمة “الزكاة” النماء والطهارة، وهي تعبر عن فكرة تطهير المال والنفس من الشح والبخل، وزيادة البركة في الرزق، أما شرعًا، فهي مقدار محدد من المال يُخرج سنويًا لمستحقيه من الفقراء والمحتاجين وغيرهم من الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن الكريم.

وحكم الزكاة في الإسلام واضح، فهي فريضة واجبة على كل مسلم بالغ عاقل يملك نصابًا معينًا من المال وحال عليه الحول (أي مر عليه عام هجري كامل)، وتُعتبر الزكاة من أعظم الوسائل التي شرعها الإسلام لتحقيق التكافل الاجتماعي، حيث تُعيد توزيع الثروة بين أفراد المجتمع، وتساعد على سد احتياجات الفقراء والمحتاجين، وتجب الزكاة في أنواع معينة من الأموال، مثل الذهب والفضة، والنقود، والماشية، والزروع، والتجارة، بشرط توافر شروط معينة سنتناولها لاحقًا.

 

 اطلع أيضاً على: الزكاة في الإسلام.

 

ما هي الصدقة؟ أنواعها وحكمها في الشريعة

ما هي الصدقة؟ أنواعها وحكمها في الشريعة

بعد أن تعرفنا على مفهوم الزكاة والزكاة، دعونا ننتقل إلى الصدقة، الصدقة، على عكس الزكاة، ليست فريضة واجبة، بل هي عمل تطوعي يقوم به المسلم بنية التقرب إلى الله ومساعدة الآخرين، وهي تشمل كل فعل خير يقدمه الإنسان، سواء كان ماليًا أو معنويًا، فالصدقة ليست مقتصرة على إخراج المال، بل قد تكون بكلمة طيبة، أو مساعدة محتاج، أو حتى ابتسامة في وجه أخيك المسلم.

وأنواع الصدقة متعددة، ومن أبرزها الصدقة الجارية، وهي الصدقة التي يستمر أجرها حتى بعد وفاة الإنسان، مثل بناء مسجد، أو حفر بئر، أو نشر علم نافع، وهناك أيضًا الصدقة العادية، مثل إعطاء المال للفقراء، أو تقديم الطعام للمحتاجين، وحكم الصدقة في الشريعة أنها مستحبة، وهي من الأعمال التي يُثاب عليها المسلم، لكنها لا تُعاقب تاركها ما دامت الزكاة مؤداة، ومن الجدير بالذكر أن الصدقة تُعتبر وسيلة لتطهير النفس من الشح، وهي تعزز من قيم التكافل والإحسان في المجتمع.

 

الفرق بين الزكاة والصدقة في الإسلام: مقارنة شاملة

 

لتوضيح الفرق بين الصدقة والزكاة بشكل أكثر تفصيلًا، دعونا نقارن بينهما من عدة جوانب، بما في ذلك النية، الوقت، المقدار، والمستحقين، يمكن تلخيص هذه الفروق في النقاط التالية:

الجانبالزكاةالصدقة
الحكم الشرعيواجبة على من توفرت فيه الشروطتطوعية ومستحبة
النيةيجب أن تكون بنية الزكاة الواجبةيمكن أن تكون بنية التقرب إلى الله فقط
الوقتتجب بعد مرور حول على النصابلا وقت محدد، يمكن إخراجها في أي وقت
المقدارمحدد بنسبة معينة (مثل 2.5% من المال)غير محدد، يعتمد على رغبة المتصدق
المستحقونأصناف محددة في القرآن (8 فئات)أي شخص محتاج أو عمل خيري
النصابمشروط ببلوغ النصابلا يشترط نصاب

ومن المهم أن نفهم أن الزكاة لا يمكن أن تُحل محل الصدقة أو العكس، فكل منهما له دوره وأثره الخاص، فهل يجوز دفع الزكاة بدلًا من الصدقة؟ الإجابة هي لا، لأن الزكاة فريضة مستقلة لا يمكن أن تُستبدل بالصدقة، بينما الصدقة تُعتبر إضافة تطوعية تزيد من الأجر وتعزز التكافل الاجتماعي.

 

 اطلع أيضاً على: صدقة جاريه للميت: أعظم هدية تُهديها لمن تحب بعد رحيله.

 

شروط الزكاة وأهم أحكامها الفقهية

شروط الزكاة وأهم أحكامها الفقهية

بعد أن أوضحنا الفرق بين الزكاة والصدقة، من المهم أن نلقي الضوء على شروط الزكاة والأحكام الفقهية المتعلقة بها، لأن هذه الشروط هي التي تحدد من يجب عليه الزكاة ومتى تُخرج، إليكم أهم الشروط والأحكام:

1-الإسلام: الزكاة واجبة على المسلم فقط، فهي عبادة لا تُطلب من غير المسلمين.

الحرية: يجب أن يكون الشخص حرًا، فلا زكاة على العبد المملوك في الفقه الإسلامي.

البلوغ والعقل: الزكاة واجبة على البالغ العاقل، ولا تُطلب من القاصر أو المجنون، إلا إذا كان لديهما مال يديره ولي أمرهما.

النصاب: النصاب هو الحد الأدنى من المال الذي يجب أن يملكه الشخص لتجب عليه الزكاة، على سبيل المثال، نصاب الذهب هو 85 غرامًا، ونصاب الفضة 595 غرامًا، ونصاب النقود يُحسب بناءً على قيمة الذهب أو الفضة في السوق.

الحول: يجب أن يمر عام هجري كامل على المال الذي بلغ النصاب، وهذا ما يُعرف بـ”حولان الحول”، فإذا كان الشخص يملك مالًا دون النصاب، ثم زاد ماله وبلغ النصاب، فإن الحول يُحسب من اليوم الذي بلغ فيه المال النصاب.

الملكية التامة: يجب أن يكون المال مملوكًا للشخص ملكية تامة، فلا زكاة على المال المرهون أو المال الذي لا يستطيع الشخص التصرف فيه.

وأما كيف تُحتسب الزكاة على المال، فهي تُحسب بنسبة 2.5% من إجمالي المال الذي بلغ النصاب وحُوّل عليه الحول، على سبيل المثال، إذا كان لديك 100,000 ريال سعودي ومر عليها عام هجري، فإن الزكاة الواجبة هي 2,500 ريال، ويُنصح دائمًا بالرجوع إلى العلماء أو المؤسسات الشرعية لضمان حساب الزكاة بدقة، خاصة إذا كان المال يشمل أنواعًا مختلفة مثل الأسهم أو العقارات.

ومن الأحكام الفقهية المهمة أيضًا أن الزكاة يجب أن تُوزع على الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن الكريم، وهي: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، ويجب أن تُحسب النية عند إخراج الزكاة، فلا يجوز أن تُخرج الزكاة بنية الصدقة أو العكس.

 

أشكال الصدقة: صدقة المال، الكلمة الطيبة، والصدقة الجارية

أشكال الصدقة: صدقة المال، الكلمة الطيبة، والصدقة الجارية

إذا كانت الزكاة محددة بأحكام وشروط صارمة، فإن الصدقة تتميز بالمرونة والتنوع، مما يجعلها في متناول الجميع، حتى أولئك الذين لا يملكون المال، دعونا نستعرض أشكال الصدقة المختلفة لنرى كيف يمكن لكل شخص أن يشارك في هذا العمل الخيري:

1- صدقة المال

هي الشكل الأكثر شيوعًا للصدقة، وتشمل إعطاء المال للفقراء والمحتاجين، أو التبرع للمشاريع الخيرية مثل بناء المساجد أو المدارس، ولا يشترط في صدقة المال أن تكون كبيرة، فحتى المبالغ الصغيرة تُعتبر صدقة إذا كانت بنية خالصة.

2- الكلمة الطيبة

ليست الصدقة مقتصرة على المال، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك صدقة”، فالكلمة الطيبة، مثل كلمة تشجيع أو مواساة، تُعتبر صدقة تُثاب عليها.

3- الصدقة الجارية

وهي من أعظم أنواع الصدقة، لأن أجرها يستمر حتى بعد وفاة الإنسان، ومن أمثلتها بناء بئر ماء، أو طباعة مصحف، أو تعليم علم نافع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”.

4- الأعمال الصالحة

حتى الأعمال البسيطة مثل إماطة الأذى عن الطريق، أو مساعدة شخص في حمل أغراضه، تُعتبر صدقة إذا كانت بنية التقرب إلى الله.

إن تنوع أشكال الصدقة يجعلها وسيلة متاحة للجميع، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، مما يعزز من قيم الإحسان والتكافل في المجتمع، ومن الجدير بالذكر أن الصدقة الجارية والزكاة، على الرغم من أهميتهما، إلا أنهما مختلفتان في الحكم والتطبيق، فالزكاة واجبة ومحددة، بينما الصدقة الجارية تطوعية ومتنوعة.

 

 قد تكون مهتماً أيضاً بالقراءة عن: سؤال وجواب في فقه العبادات.

 

أسئلة شائعة حول الفرق بين الزكاة والصدقة

أسئلة شائعة حول الفرق بين الزكاة والصدقة

مع انتشار الوعي الديني، تكثر الأسئلة حول الفرق بين الزكاة والصدقة، وكيفية تطبيقهما في الحياة اليومية، إليكم إجابات لبعض الأسئلة الشائعة:

هل يجوز دفع الزكاة للأقارب؟

نعم، يجوز دفع الزكاة للأقارب إذا كانوا من الأصناف المستحقة، مثل الفقراء أو المساكين، بشرط ألا يكونوا من الأشخاص الذين يجب على الشخص إعالتهم، مثل الوالدين أو الأبناء، أما الصدقة، فيمكن دفعها لأي شخص، بما في ذلك الأقارب، بل إن إعطاء الصدقة للأقارب قد يكون أفضل لأنه يجمع بين صلة الرحم والإحسان.

هل الصدقة تغني عن الزكاة؟

لا، الصدقة لا تغني عن الزكاة، لأن الزكاة فريضة مستقلة لا يمكن أن تُستبدل بأي عمل تطوعي، بينما الصدقة تُعتبر إضافة تزيد من الأجر وتعزز التكافل الاجتماعي، فمن يملك نصابًا واجبًا عليه إخراج الزكاة، ولا يُعفى منها حتى لو أخرج صدقات كثيرة.

هل يجوز دفع الزكاة بدلًا من الصدقة؟

هذا السؤال قد يبدو مقلوبًا، لأن الزكاة واجبة أصلًا، بينما الصدقة تطوعية، فإذا كان الشخص يملك نصابًا وحال عليه الحول، فإن الزكاة واجبة عليه، ولا يمكن أن يستبدلها بالصدقة، أما إذا كان السؤال يعني هل يمكن اعتبار الزكاة صدقة، فالإجابة هي لا، لأن الزكاة لها نية خاصة وشروط محددة، بينما الصدقة أعم وأشمل.

كيف تُوزع الزكاة على الفقراء؟

الزكاة تُوزع على الأصناف الثمانية المذكورة في القرآن الكريم، وهم: الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، ويجوز توزيع الزكاة على صنف واحد فقط إذا لم يكن هناك حاجة لتوزيعها على الجميع، ولكن الأفضل أن تُوزع على أكثر من صنف إذا أمكن ذلك، ويُنصح دائمًا بالتعاون مع الجمعيات الخيرية الموثوقة لضمان وصول الزكاة إلى مستحقيها.

هل يجوز إخراج الزكاة على شكل سلع بدلًا من المال؟

نعم، يجوز إخراج الزكاة على شكل سلع، مثل الطعام أو الملابس، بشرط أن تكون قيمتها مساوية لقيمة الزكاة المالية المستحقة، وأن تكون هذه السلع مفيدة للمستحقين، ومع ذلك، يُفضل في العصر الحديث إخراج الزكاة نقدًا لأنه أكثر مرونة ويسمح للمستحقين بشراء ما يحتاجونه.

ما الفرق بين الزكاة والصدقة الواجبة؟

قد يتساءل البعض عن مصطلح “الصدقة الواجبة”، وهو مصطلح قد يُستخدم في بعض السياقات للإشارة إلى أنواع معينة من الصدقات التي تكون واجبة في حالات خاصة، مثل صدقة الفطر التي تُخرج في نهاية رمضان، لكن بشكل عام، الزكاة هي الفريضة الواجبة الأساسية، بينما الصدقة تظل تطوعية في معظم الحالات، إلا في حالات استثنائية مثل صدقة الفطر.

 

لماذا شرع الله الزكاة والصدقة؟ وكيف تؤثر في الفرد والمجتمع؟

وفي الختام، يجب علينا أن ندرك أن الزكاة والصدقة ليستا مجرد واجبات دينية، بل هما استثمار في الدنيا والآخرة، فكل درهم تُخرجه زكاة أو صدقة هو بذرة خير تزرعها في حياتك وحياة الآخرين، وهو عمل يعود عليك بالأجر العظيم في الدنيا والآخرة، فلنحرص على أداء الزكاة في وقتها، ولنكثر من الصدقة بكل أشكالها، لنكون من الذين قال الله فيهم: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.

 

ندعوك لـ زيارة موقعنا الموسوعة حيث تجد مئات المقالات المفيدة في مختلف التخصصات ، وفي حال أردت قراءة المزيد من المقالات الدينية سوف تجد أيضا كل ما تريد معرفته.

المصادر

Wikipedia 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى