الدين

حكم امتناع الزوجة عن زوجها​ في الإسلام – متى يجوز؟

تُعتبر العلاقة الزوجية في الإسلام من أقدس الروابط الإنسانية، وقد وضع الشرع الحنيف أسسًا واضحة لتنظيم هذه العلاقة بما يحفظ حقوق الطرفين ويحقق السكينة والمودة بينهما، من القضايا المهمة التي تثير تساؤلات كثيرة في المجتمعات الإسلامية موضوع حكم امتناع الزوجة عن زوجها​​، وما يترتب على ذلك من آثار شرعية واجتماعية، يتساءل الكثيرون: متى يحق للزوجة أن تمتنع عن زوجها؟ وما هي الحالات التي يُعذر فيها هذا الامتناع؟ وما العقوبة المترتبة على الامتناع بغير عذر؟

في هذا المقال من “الموسوعة”، سنتناول هذا الموضوع الحساس بشكل مفصل، مستعرضين الأحكام الشرعية وأقوال العلماء، مع تقديم نصائح عملية للحفاظ على استقرار الحياة الزوجية.

 

ما المقصود بامتناع الزوجة عن زوجها؟

يُقصد بامتناع الزوجة عن زوجها رفضها الاستجابة لرغبته في المعاشرة الزوجية أو ما يُعرف بالعلاقة الحميمة، هذا الامتناع قد يكون صريحًا بالرفض المباشر، أو ضمنيًا من خلال التهرب والتحجج بأعذار غير حقيقية، والمعاشرة الزوجية حق متبادل بين الزوجين، فكما أن للزوج حقًا على زوجته في هذا الجانب، فإن للزوجة أيضًا حقوقًا يجب على الزوج مراعاتها والوفاء بها.

الامتناع عن الفراش ليس مجرد تصرف شخصي، بل له أبعاد شرعية واجتماعية ونفسية، فالعلاقة الزوجية في الإسلام ليست مجرد إشباع للغريزة، بل هي عبادة وسكن نفسي وعاطفي، وهي من أهم أسباب استقرار الأسرة وتماسكها، لذلك أولى الشرع هذا الجانب اهتمامًا كبيرًا، ووضع له ضوابط وأحكامًا تحفظ حقوق الطرفين.

 

حكم امتناع الزوجة عن زوجها​ في الإسلام

حكم امتناع الزوجة عن زوجها​ في الإسلام

الأصل في حكم امتناع الزوجة عن زوجها​​ أنه غير جائز إذا لم يكن هناك عذر شرعي، وقد دلت النصوص الشرعية على وجوب استجابة الزوجة لزوجها إذا دعاها للفراش، ما لم يكن هناك مانع شرعي أو عذر معتبر.

جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، لعنتها الملائكة حتى تصبح” (رواه البخاري ومسلم)، وفي رواية أخرى: “إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح”.

هذه الأحاديث تبين خطورة امتناع الزوجة عن زوجها بغير عذر، وأن هذا الفعل يُعد من كبائر الذنوب التي تستوجب غضب الله ولعنة الملائكة، لكن هذا الحكم ليس مطلقًا، بل مقيد بشروط وضوابط، أهمها عدم وجود عذر شرعي للزوجة، وأن يكون طلب الزوج في حدود المعقول والمشروع.

 

الحالات التي يجوز فيها للزوجة الامتناع

رغم تأكيد الشريعة على حق الزوج، إلا أنها راعت ظروف الزوجة وأحوالها، وأباحت لها الامتناع في حالات معينة، متى يجوز للزوجة الامتناع عن زوجها؟ فيما يلي أهم هذه الحالات:

أولاً: الأعذار الشرعية

  • فترة الحيض والنفاس: يحرم على الزوج معاشرة زوجته في هذه الفترات، ويجب على الزوجة الامتناع.
  • الإحرام للحج أو العمرة: لا يجوز الجماع للمحرم أو المحرمة حتى يتحللا من الإحرام.
  • الصيام الواجب: في نهار رمضان أو صيام النذر الواجب.
  • الاعتكاف في المسجد: إذا كانت الزوجة معتكفة بإذن زوجها.

ثانيًا: الأعذار الصحية

  • المرض الذي يمنع من المعاشرة أو يسبب ضررًا للزوجة.
  • التعب الشديد أو الإرهاق الذي يجعل المعاشرة مضرة بصحتها.
  • وجود جروح أو التهابات تتأذى بالمعاشرة.
  • الحمل إذا كان هناك خطر على الجنين بتقرير طبي موثوق.

ثالثًا: الأعذار النفسية والاجتماعية

  • إذا كان الزوج في حالة سكر أو تحت تأثير المخدرات.
  • إذا كان الزوج يطلب أمورًا محرمة أو شاذة.
  • إذا كان هناك ضرر نفسي شديد من جراء سوء معاملة الزوج.
  • عدم توفر الخصوصية المناسبة، كوجود أشخاص في نفس الغرفة.

 

قد يهمك القراءة أيضاً فى: كل ما تريد معرفتة عن حكم ضرب الزوجة لزوجها في الإسلام.

 

آثار امتناع الزوجة عن العلاقة الزوجية

آثار امتناع الزوجة عن العلاقة الزوجية

آثار امتناع الزوجة عن العلاقة تتعدى الجانب الشرعي لتشمل جوانب نفسية واجتماعية وأسرية عديدة:

1- الآثار النفسية:

يؤدي الامتناع المتكرر إلى توتر نفسي لدى الزوج، وقد يشعر بالرفض وعدم الرغبة فيه، مما يؤثر على ثقته بنفسه، كما قد تشعر الزوجة نفسها بالذنب أو القلق، خاصة إذا كان امتناعها بغير عذر، هذا التوتر النفسي ينعكس على الحياة اليومية للزوجين ويؤثر على تعاملهما مع بعضهما ومع أبنائهما.

2- الآثار الاجتماعية:

قد يؤدي الامتناع إلى برود في العلاقة بين الزوجين، وظهور مشاكل أمام الأهل والأصدقاء، كما قد يدفع أحد الطرفين للبحث عن حلول خاطئة أو التفكير في الانفصال، الأسرة التي تعاني من هذه المشكلة غالبًا ما تكون أقل استقرارًا وأكثر عرضة للمشاكل.

3- الآثار الأسرية:

الأطفال يتأثرون بشكل غير مباشر بالتوتر بين والديهم، قد يلاحظون البرود العاطفي أو كثرة الخلافات، مما يؤثر على نموهم النفسي والعاطفي، كما أن غياب الانسجام بين الوالدين يفقد البيت دفئه وحنانه.

4- الآثار الشرعية:

من الناحية الشرعية، الامتناع بغير عذر يُعد معصية تستوجب التوبة، كما أنه قد يؤدي إلى وقوع أحد الزوجين في الحرام، والعياذ بالله، لذلك حذر الشرع من هذا الأمر ووضع له عقوبات رادعة.

 

أقوال العلماء حول امتناع الزوجة

اتفق علماء المذاهب الأربعة على أن حكم رفض الزوجة فراش الزوج بغير عذر شرعي هو التحريم، واعتبروه من أنواع النشوز، وفيما يلي أقوال المذاهب:

1- المذهب الحنفي:

يرى الأحناف أن للزوجة الحق في الامتناع إذا لم يؤد الزوج حقوقها المالية كالمهر والنفقة، كما يجيزون لها الامتناع إذا كان الزوج مريضًا مرضًا معديًا أو كان يؤذيها في المعاشرة.

2- المذهب المالكي:

المالكية يؤكدون على وجوب طاعة الزوجة لزوجها في المعاشرة، لكنهم يعذرونها في حالات المرض والضرر، ويرون أن للزوج الحق في تأديبها إذا امتنعت بغير عذر، لكن بالتدرج: الوعظ ثم الهجر ثم الضرب غير المبرح.

3- المذهب الشافعي:

الشافعية يشددون على حق الزوج في المعاشرة، ويرون أن امتناع الزوجة بغير عذر يسقط حقها في النفقة، لكنهم يراعون الأعذار الشرعية والصحية، ويؤكدون على ضرورة الرفق واللين في المعاملة.

4- المذهب الحنبلي:

الحنابلة يتفقون مع الجمهور في تحريم الامتناع بغير عذر، ويرون أنه من أعظم حقوق الزوج على زوجته، لكنهم يؤكدون على مراعاة حال الزوجة وظروفها، وعدم الإضرار بها.

 

حكم امتناع الزوجة عن زوجها​

 

متى تُعد الزوجة ناشزًا؟

متى تكون الزوجة ناشز؟ النشوز في اللغة هو الارتفاع والعلو، وفي الاصطلاح الشرعي هو خروج الزوجة عن طاعة زوجها فيما يجب عليها من حقوق، والامتناع عن الفراش بغير عذر يُعد من أوضح صور النشوز.

تُعتبر الزوجة ناشزًا في الحالات التالية:

  • إذا امتنعت عن فراش زوجها بغير عذر شرعي أو صحي.
  • إذا خرجت من بيت الزوجية بغير إذن الزوج ولغير ضرورة.
  • إذا منعت الزوج من الاستمتاع بها في غير أوقات المنع الشرعي.
  • إذا سافرت بغير إذن زوجها لغير ضرورة.
  • إذا أدخلت إلى بيته من يكره دخوله.

والنشوز له درجات، فقد يكون امتناعًا كليًا أو جزئيًا، وقد يكون مؤقتًا أو دائمًا، وعلاج النشوز في الشريعة يكون بالتدرج: أولاً بالموعظة الحسنة، ثم بالهجر في المضجع، ثم بالضرب غير المبرح إذا لم تنفع الوسائل السابقة، وأخيرًا باللجوء إلى القضاء أو التحكيم.

 

اقرأ المزيد فى: كل ما تريد معرفتة عن حكم اهمال الزوج لزوجته في الإسلام.

 

عقوبة امتناع الزوجة عن زوجها دون عذر

عقوبة امتناع الزوجة عن زوجها بغير عذر شرعي تشمل عقوبات دنيوية وأخروية:

العقوبات الدنيوية:

  1. سقوط حق النفقة: إذا ثبت نشوز الزوجة، يسقط حقها في النفقة عند جمهور الفقهاء.
  2. حق الزوج في التأديب: بالوعظ والهجر والضرب غير المبرح، مع مراعاة التدرج.
  • اللجوء للقضاء: يحق للزوج رفع أمره للقاضي الشرعي، والذي قد يأمر الزوجة بالطاعة أو يحكم بالتفريق إذا تعذر الإصلاح.
  • فقدان بعض الحقوق الزوجية: مثل حق السكنى المستقلة أو بعض الامتيازات التي كانت تتمتع بها.

العقوبات الأخروية: كما ورد في الحديث الشريف، فإن عقاب الزوجة إذا امتنعت عن زوجها بغير عذر هو لعنة الملائكة لها حتى تصبح أو ترجع، واللعن هو الطرد من رحمة الله، وهو من أشد العقوبات، كما أنها تأثم بهذا الفعل وتحتاج إلى التوبة والاستغفار.

من المهم التأكيد على أن هذه العقوبات مشروطة بعدم وجود عذر شرعي أو ضرر على الزوجة، كما أن تطبيق هذه العقوبات يجب أن يكون بحكمة ورفق، وأن يكون الهدف منها الإصلاح وليس الانتقام أو الإذلال.

 

نصائح لتجنب الخلافات الزوجية حول العلاقة

نصائح لتجنب الخلافات الزوجية حول العلاقة

لتجنب الوقوع في مشكلة الامتناع وما يترتب عليها من آثار سلبية، إليكم مجموعة من النصائح العملية:

للزوج:

  • كن رفيقًا بزوجتك ولا تطلب حقك بقسوة أو في أوقات غير مناسبة.
  • راعِ حالتها النفسية والصحية، واسأل عن أحوالها قبل طلب حقك.
  • اجعل العلاقة مبنية على المودة والرحمة، وليس مجرد أداء واجب.
  • تجنب المقارنات أو التهديد بالزواج من أخرى، فهذا يزيد المشكلة.
  • احرص على النظافة الشخصية والمظهر الحسن.
  • خصص وقتًا للمداعبة والملاطفة قبل العلاقة.
  • تفهم أن للمرأة احتياجات عاطفية تحتاج إلى إشباعها.

للزوجة:

  • تذكري أن حق الزوج عليك عظيم، وأن طاعته في المعروف من طاعة الله.
  • إذا كان لديك عذر، فاشرحيه لزوجك بلطف ووضوح.
  • لا تستخدمي الامتناع كوسيلة ضغط أو عقاب.
  • احرصي على إرضاء زوجك ما استطعت، فهذا من أسباب السعادة الزوجية.
  • اهتمي بنظافتك الشخصية ومظهرك.
  • إذا كنت متعبة، فاطلبي تأجيل الأمر بلطف وعِديه بتعويضه.
  • تحدثي مع زوجك عن احتياجاتك ومشاعرك بصراحة.

نصائح مشتركة:

  • الحوار المفتوح والصريح حول احتياجات كل طرف.
  • تخصيص وقت للعلاقة الحميمة بعيدًا عن ضغوط الحياة.
  • الاستشارة الطبية إذا كانت هناك مشاكل صحية.
  • اللجوء للاستشارة الأسرية عند تفاقم المشكلة.
  • قراءة الكتب المفيدة في هذا المجال من مصادر موثوقة.
  • الدعاء والاستعانة بالله لإصلاح الحال.

 

يمكنك الاطلاع أيضاً على: حكم رفض الزوجة للجماع بسبب عدم الرغبة: متى يكون مباحًا ومتى يُحرم؟.

 

أسئلة شائعة حول الموضوع نفسه

1- هل يجوز هجر الزوجة زوجها في الفراش؟

الأصل أن هل يجوز هجر الزوجة زوجها في الفراش لا يجوز إلا لعذر شرعي، لكن إذا كان الزوج ظالمًا أو مؤذيًا، فلها أن تطلب الإصلاح أو تلجأ للقضاء، الهجر كعقوبة هو حق للزوج على الزوجة الناشز، وليس العكس.

2- ما حكم الإسلام في امتناع الزوجة عن الفراش بسبب مشاكل نفسية؟

حكم الإسلام في امتناع الزوجة عن الفراش بسبب مشاكل نفسية حقيقية يُعتبر عذرًا مقبولاً، بشرط السعي للعلاج، على الزوج أن يتفهم حالتها ويساعدها على تجاوز هذه المشاكل.

3- ما حق الزوج على زوجته في الفراش؟

حق الزوج على زوجته في الفراش هو الاستجابة لطلبه في المعاشرة الزوجية ما لم يكن هناك عذر شرعي، هذا الحق مقابل حقوقها عليه من النفقة والمعاملة الحسنة والرفق.

4- ما حكم الدين في امتناع الزوجة عن زوجها بسبب سوء معاملته؟

حكم الدين في امتناع الزوجة عن زوجها بسبب سوء معاملته يختلف حسب درجة الإساءة، إذا كانت الإساءة شديدة ومستمرة، فلها الحق في الامتناع والمطالبة بحقوقها أو طلب الطلاق.

5- هل تأثم الزوجة إذا امتنعت عن زوجها وهي مريضة؟

لا تأثم الزوجة إذا امتنعت بسبب مرض حقيقي يمنعها من المعاشرة أو يسبب لها ضررًا، المرض عذر شرعي معتبر، والله أعلم بحال عباده.

6- ما الحل إذا كان الزوج يطلب أمورًا غير مشروعة في العلاقة؟

يحق للزوجة الامتناع عن أي طلب محرم أو شاذ، ولا إثم عليها في ذلك، بل يجب عليها الامتناع عن المحرمات، وللزوج أن يتقي الله ويلتزم بالحلال.

7- هل يسقط حق النفقة فورًا عند امتناع الزوجة؟

لا يسقط حق النفقة فورًا، بل يجب أولاً التحقق من وجود عذر، ثم الوعظ والإصلاح، إذا ثبت النشوز واستمر، عندها يمكن إسقاط النفقة بحكم القاضي.

 

حكم امتناع الزوجة عن زوجها​

 

 

في ختام هذا المقال، يتضح لنا أن حكم امتناع الزوجة عن زوجها​​ في الإسلام محكوم بضوابط شرعية دقيقة تراعي حقوق الطرفين وظروفهما، فبينما أكد الشرع على حق الزوج وحذر من امتناع الزوجة بغير عذر، فإنه في الوقت نفسه راعى ظروف المرأة وأعذارها الشرعية والصحية والنفسية.

العلاقة الزوجية في الإسلام ليست مجرد حقوق وواجبات جامدة، بل هي مودة ورحمة وسكن نفسي، لذلك يجب على الزوجين أن يتعاملا مع هذا الجانب من حياتهما بحكمة ورفق ومراعاة لمشاعر بعضهما البعض.

الحوار الصريح والتفاهم المتبادل هما مفتاح حل معظم المشاكل الزوجية، وإذا تعذر الحل بين الزوجين، فلا حرج في طلب المساعدة من أهل الخبرة والاختصاص، سواء كانوا مستشارين أسريين أو أطباء أو علماء دين موثوقين.

نسأل الله أن يوفق الأزواج والزوجات لما فيه صلاح أسرهم، وأن يجعل بيوتهم عامرة بالمودة والرحمة والسكينة، وأن يعينهم على أداء حقوق بعضهم البعض بما يرضي الله تعالى، والله أعلم وأحكم.

 

ندعوك لـ زيارة موقعنا الموسوعة حيث تجد مئات المقالات المفيدة في مختلف التخصصات ، وفي حال أردت قراءة المزيد من المقالات الدينية سوف تجد أيضا كل ما تريد معرفته.

المصادر

wikipedia

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى